أرادوا أن يقتلوه.. فقتلهم
محمد السيد عبد الرازق
رامي: هلا شباب، أين سنقتل وقتنا اليوم؟
شادي: أنا مليت من هذا الفراغ، إما (بلاي استيشن)، وإما جلوس على المقاهي، ما شيء جديد؟
صالح: (وكان لأول مرة يخرج معهم)، يا شباب سبحان الله، فالوقت جعله الله للاستفادة منه، لا لنقتله، لا مانع من أن نرفه عن أنفسنا، ولكن لا ينبغي أبدًا أن يكون هدفنا أن نقتل أوقاتنا، ولعلي أذكركم بهذا الحديث الذي طالما قرع أذني: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) [صححه الألباني].
تعرف عليه:
أتعرف من هو؟ إنه الذي أودى بأعمار الشباب، إنه الذي جعل الأيام والليالي تذهب هباء بلا إياب، إنه البضاعة المزجاة، إنه (الفراغ)، فكم من شاب شعر بأنه لا قيمة له وذلك بسبب الفراغ، وأنه عضو مشلول في المجتمع لا ينتج ولا يفيد، فهو بلا هدف في الحياة، وأيُّ حياة هذه التي لا هدف لها.
بل لعلك تستغرب لما تعرف أن الفراغ، إنما هو وسيلة من وسائل الشيطان يوسوس بها للإنسان، فيثير فيه كوامن الغريزة ويُلهبها فتحرقه، وهذا أمر ليس فيه جدال، فمن الطبيعي أن وفرة الوقت دون عمل في دنيا أو دين، توقع صاحبها في أسر الوساوس الإبليسية، والهواجس النفسية الغير منضبطة.
وحتى الجسد والعقل، فالفراغ قتال للفكر والعقل والإمكانيات، يذهب بالطاقات، فالنفس يا شباب لابد لها من حركة وعمل، ولا شك أن فيروس الفراغ أكثر ما يصيب في الإجازة الصيفية، حيث تلك المساحة الكبيرة من الوقت التي تعطى للشباب، ولا يجدون أو لا يبحثون عن ما يملؤها من عمل مفيد مثمر بناء.
ثم بعد ذلك لا عجب أن يرى كثير من الباحثين، أن (وقت الفراغ عامل رئيس في الانحرافات المختلفة، كفشو المخدرات مثلًا واستفحالها في كثير من المجتمعات المسلمة، هذا بالإضافة إلى المعاكسات، إلى آخر ذلك مما أظن أنه لا يخفى على الشباب، وليت هؤلاء الشباب علموا أن الوقت مورد محدود، فعن الحسن البصري رحمه الله قال: "يابن آدم إنما أنت أيام معدودة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل") [عذرًا أنا مراهق، رضا المصري، (51)].
وقفة تأمل
بل تعال الآن أيها الشاب الحبيب آخذك في جولة تأملية، فانظر إلى هذا الرجل الذي بلغ من العمر أرذله، فاحدودب ظهره، وتثاقلت خطاه، وخارت قواه، وابيض شعره، فهو يقوم بصعوبة، ويقعد بصعوبة، وينام بصعوبة، وربما يأكل بصعوبة، ويشرب بصعوبة، ويقضي حاجته بصعوبة، وغاية أمانية أن يعود له الشباب يومًا، ولكن للأسف أنى له ذلك.
هل تأملت هذا الرجل؟ ألم يكن شابًا مثلك؟ يعيش حياة الشباب، ويسير مثل سيرهم، ويلعب لعبهم، وربما خاض غمار المعاصي كما يخوض البعض، وأضاع الوقت، لقد ظن هذا الرجل أن أيام الشباب مديدة، وأن قوة الشباب لن ترتحل، وأن نضرة الشباب باقية.
(انظر إلى هذا الشيخ الكبير بعد أن كبرت سنه، وضعف بنيانه، يبكي على ما ضاع من عمره في فراغ .. يبكي على قوة الشباب التي ولت، ويتمنى لو أن يعود إليه الشباب فيما ينفع ويفيد، وفي عمل مفيد ولكن هيهات هيهات) [دع الفراغ وابدأ العمل، القسم العلمي بدار الوطن]، فكل يوم انشق فجره ينادي ابن آدم ويقول: (يا ابن آدم! أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لن أعود الى يوم القيامة).
أراك تحس وتشعر بما فيه ذلك الشيخ من حسرة، لأنه لا يقوى على عبادة الله في زمن العجز والضعف والوهن، يريد الصلاة فلا يستطيع.. يريد الصيام فلا يستطيع.. يريد الحج والاعتمار فلا يستطيع.. يريد أن يقرأ أن يتعلم لكنه أيضًا لا يستطيع.. بل إنه يريد أن يقتحم مجالًا من مجالات الحياة، لينجح فيه، ويصنع شيئًا في الحياه، لكنه قد هدَّه المرض.. وتكاثرت عليه الأوجاع.. ولذلك فإنه يبكي.
بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيب
فيا أسفًا أسفت على شباب نعاه الشيب والرأس الخضيب
عريت من الشباب وكنت غصنًا كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعود يومًا فأخبره بما فعل المشيب
هل تدرك خطورته:
إن الشاب الذي تمر عليه الأيام وهو يقضيها متقلبًا بين نوم ومشاهدة للتلفاز, أو يجلس مع أصدقائه في قارعة الطريق ولا شيء آخر، لا يملك ما يشغله أو يملأ عليه حياته، ربما لا يشعر في البداية بخطورة الفراغ, بل أظنك تعرف كثيرًا من الشباب، الذين يظنون أنهم من المحظوظين لأنهم فارغين ولا يتحملون أية مسئوليات، إلا أنه مع مرور الزمان, وتوالي الشهور والأيام وهو يعيش هذا الروتين, فإن حياته اليومية تمر عليه دون أن يشعر بها, لأنه لم يتذوق حلاوة التعب والعمل.
عندها سوف تنقلب عليه الحياة جحيمًا, وتسمع وابلًا من التساؤلات، ومنها إلى متى سأبقى على هذه الحالة؟! وكيف أتخلص منها؟! لا أدري فتمر عليه الثواني وكأنها ساعات, وتمر عليه الليالي والأيام وكأنها سنوات مديدات, يشعر بثقلها ويتضجر منها، حينها يبدأ القلق والضجر يدبان في نفسه, فيصير إنسانًا لا يدري ماذا يفعل كالذي يعيش في ظلام دامس لا يعرف إلى أين يتجه، كالغريق وسط الأمواج يبحث عن وسيلة للنجاة.
إلى متى .. والأمر جد:
ولعل البعض يقول الآن نعم نعرف ذلك، وسنحاول أن نستغل أوقاتنا في المستقبل، فتمر الأيام والليالي، وتنقضي الأجازات كسابقتها، في غير فائدة، وهنا يجب أن نقول أن هناك أمر قد خفي عليك أيها الشباب، وهو أن التسويف لا يقف عند حد، بل هو بحر لا ساحل له، والأماني لا تنقطع بصاحبها، ولا يزال العبد يسوف حتى يصير مجندلًا في قبره.
ولهذا نرى الحسن رحمه الله، يحذر من التسويف كأشد ما يكون التحذير فيقول: (إن قومًا ألهتهم أماني المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وكذب.. لو أحسن الظن لأحسن العمل).
خذ من شبابك قبل الموت والهرم وبادر التوب قبل الفوت والندم
واعلم بأنك مجزئ ومرتهن وراقب الله واحـذر زلة القـدم
الفراغ يطرق أبواب المعاصي:
وتكون الكارثة الكبرى إذا قاد هذا الفراغ الكثير من الشباب ـ كما هو حادث ـ إلى معصية الله سبحانه وتعالى، وانتهاك حرماته، والكارثة الثانية أن يدمن الشاب هذه المعاصي، فلا تقتصر على أوقات الفراغ فحسب، بل يقطع أعماله ومسئولياته ودراسته ليزاول معاصيه، التي اجترها له الفراغ، وثالث الأسافي تكون بتسويف التوبة.
فيا أيها الشاب: إياك والتسويف بالتوبة، والاتكال على العفو والمغفرة، فالله تعالى كما أنه غفور رحيم، فإنه أيضًا شديد العقاب، ذو بطش شديد، وأخذ أليم. قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12]، وقال سبحانه: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].
ولذلك قيل:
قل للمفرط يستعـد ما من ورود الموت بد
قد أخلق الدهر الشباب وما مضى لا يسترد
أو ما يخاف أخو المعاصي من له البطش الأشد
يومًا يعاين موقفًا فيه خطوب لا تحد
فإلام يشتغل الفتى في لهوه والأمر جد
مظاهر قتل الوقت:
وأخيرًا يا شباب إليكم مظاهر هذا القتل للوقت الذي يقع فيه الشباب، لتكون منها على دراية:
- الغفلة: تلك التي وصفها العلماء بأنها مرض يصيب العقل والقلب، فيفقد الإنسان وعيه وحسه بالأحداث وما حوله، قال الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
- التسويف: وهو البضاعة المزجاه التي تهلك صاحبها، وقد قيل لعمر بن عبد العزيز وقد أرهقه العمل: أجل هذا للغد، فقال: (لقد أعياني عمل يوم واحد، فكيف إذا اجتمع علي عمل يومين).
- الإهدار: ولذا كان يقال: (أن من علامة مقت الله سبحانه وتعالى إضاعة الوقت)، وكذلك قيل: (الوقت كالسيف؛ إن لم تقطعه قطعك)، ويقول الحسن البصري عليه رحمة الله: (يا ابن آدم: إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم، ذهب بعضك) [مستفاد من: شباب بلا مشاكل، د.أكرم رضا، (272)].
وبعد الكلام...
إذا كنت قد أضعت وقتك، وصار الفراغ مسيطرًا عليك، وسمعت هذه الكلمات، فاعلم أن الغاية منها أن تقف على خطورة الموقف، وليس المراد أن تبخس نفسك قدرها وتظن أنك فاشل لا فائدة منك، بل أعلم أن لديك إمكانيات وقدرات ومهارات ربما تكون قد سوفت استغلالها، أو لم تعطها حقها فبعثرت في غياهب الفراغ، ولكن إن وقفت على خطورة الموقف، وقررت نفسك أن تستعيد مجدها، وتبدأ العمل فيما ينفعها ولا يضرها، فتوكل على الله ... ولا تبخس نفسك قدرها (فالكثير منا يرهق نفسه، دون قصد بوقوعه في خطأ التقليل من شأن نفسه، مما يدفعنا إلى الشعور بالفشل في الثقة بقدراتنا وحكمتنا) [لا تهتم بصغائر الأمور للمراهقين، د.ريتشارد كارلسون، (36)]، ومن ثم يكون الإحباط، ونبقى محلك سر.
وأخيرًا...
تذكروا يا شباب أن النجاح ليس مجرد كلمات على الألسن والشفاه، أو أمنيات في القلوب، إنما هو حياة كاملة شاملة، تبدأها أنت بقرار الآن، وتستمر وتمر الأيام، حتى تجد في النهاية ما تحمد عقباه، ربما تتعب في ترك شيء تعودت عليه كالفراغ، ولكن النجاح له مذاق حلو، وراحة بال، واستقرار نفس واستواء في الشخصية، أما المضيون لأوقاتهم، فواحسرتاه عليهم، أراداوا أن يقتلوا الوقت فاستل سكينه وذبح أعمارهم وقتل أوقاتهم وضيع ساعاتهم، فواأسفاه.
المصادر:
شباب بلا مشاكل د.أكرم رضا.
عذرًا... أنا مراهق رضا المصري.
دع الفراغ وابدء العمل القسم العلمي، دار الوطن.
لا تهتم بصغائر الأمور للمراهقين د.ريتشارد كارلسون
محمد السيد عبد الرازق
رامي: هلا شباب، أين سنقتل وقتنا اليوم؟
شادي: أنا مليت من هذا الفراغ، إما (بلاي استيشن)، وإما جلوس على المقاهي، ما شيء جديد؟
صالح: (وكان لأول مرة يخرج معهم)، يا شباب سبحان الله، فالوقت جعله الله للاستفادة منه، لا لنقتله، لا مانع من أن نرفه عن أنفسنا، ولكن لا ينبغي أبدًا أن يكون هدفنا أن نقتل أوقاتنا، ولعلي أذكركم بهذا الحديث الذي طالما قرع أذني: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) [صححه الألباني].
تعرف عليه:
أتعرف من هو؟ إنه الذي أودى بأعمار الشباب، إنه الذي جعل الأيام والليالي تذهب هباء بلا إياب، إنه البضاعة المزجاة، إنه (الفراغ)، فكم من شاب شعر بأنه لا قيمة له وذلك بسبب الفراغ، وأنه عضو مشلول في المجتمع لا ينتج ولا يفيد، فهو بلا هدف في الحياة، وأيُّ حياة هذه التي لا هدف لها.
بل لعلك تستغرب لما تعرف أن الفراغ، إنما هو وسيلة من وسائل الشيطان يوسوس بها للإنسان، فيثير فيه كوامن الغريزة ويُلهبها فتحرقه، وهذا أمر ليس فيه جدال، فمن الطبيعي أن وفرة الوقت دون عمل في دنيا أو دين، توقع صاحبها في أسر الوساوس الإبليسية، والهواجس النفسية الغير منضبطة.
وحتى الجسد والعقل، فالفراغ قتال للفكر والعقل والإمكانيات، يذهب بالطاقات، فالنفس يا شباب لابد لها من حركة وعمل، ولا شك أن فيروس الفراغ أكثر ما يصيب في الإجازة الصيفية، حيث تلك المساحة الكبيرة من الوقت التي تعطى للشباب، ولا يجدون أو لا يبحثون عن ما يملؤها من عمل مفيد مثمر بناء.
ثم بعد ذلك لا عجب أن يرى كثير من الباحثين، أن (وقت الفراغ عامل رئيس في الانحرافات المختلفة، كفشو المخدرات مثلًا واستفحالها في كثير من المجتمعات المسلمة، هذا بالإضافة إلى المعاكسات، إلى آخر ذلك مما أظن أنه لا يخفى على الشباب، وليت هؤلاء الشباب علموا أن الوقت مورد محدود، فعن الحسن البصري رحمه الله قال: "يابن آدم إنما أنت أيام معدودة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل") [عذرًا أنا مراهق، رضا المصري، (51)].
وقفة تأمل
بل تعال الآن أيها الشاب الحبيب آخذك في جولة تأملية، فانظر إلى هذا الرجل الذي بلغ من العمر أرذله، فاحدودب ظهره، وتثاقلت خطاه، وخارت قواه، وابيض شعره، فهو يقوم بصعوبة، ويقعد بصعوبة، وينام بصعوبة، وربما يأكل بصعوبة، ويشرب بصعوبة، ويقضي حاجته بصعوبة، وغاية أمانية أن يعود له الشباب يومًا، ولكن للأسف أنى له ذلك.
هل تأملت هذا الرجل؟ ألم يكن شابًا مثلك؟ يعيش حياة الشباب، ويسير مثل سيرهم، ويلعب لعبهم، وربما خاض غمار المعاصي كما يخوض البعض، وأضاع الوقت، لقد ظن هذا الرجل أن أيام الشباب مديدة، وأن قوة الشباب لن ترتحل، وأن نضرة الشباب باقية.
(انظر إلى هذا الشيخ الكبير بعد أن كبرت سنه، وضعف بنيانه، يبكي على ما ضاع من عمره في فراغ .. يبكي على قوة الشباب التي ولت، ويتمنى لو أن يعود إليه الشباب فيما ينفع ويفيد، وفي عمل مفيد ولكن هيهات هيهات) [دع الفراغ وابدأ العمل، القسم العلمي بدار الوطن]، فكل يوم انشق فجره ينادي ابن آدم ويقول: (يا ابن آدم! أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لن أعود الى يوم القيامة).
أراك تحس وتشعر بما فيه ذلك الشيخ من حسرة، لأنه لا يقوى على عبادة الله في زمن العجز والضعف والوهن، يريد الصلاة فلا يستطيع.. يريد الصيام فلا يستطيع.. يريد الحج والاعتمار فلا يستطيع.. يريد أن يقرأ أن يتعلم لكنه أيضًا لا يستطيع.. بل إنه يريد أن يقتحم مجالًا من مجالات الحياة، لينجح فيه، ويصنع شيئًا في الحياه، لكنه قد هدَّه المرض.. وتكاثرت عليه الأوجاع.. ولذلك فإنه يبكي.
بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيب
فيا أسفًا أسفت على شباب نعاه الشيب والرأس الخضيب
عريت من الشباب وكنت غصنًا كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعود يومًا فأخبره بما فعل المشيب
هل تدرك خطورته:
إن الشاب الذي تمر عليه الأيام وهو يقضيها متقلبًا بين نوم ومشاهدة للتلفاز, أو يجلس مع أصدقائه في قارعة الطريق ولا شيء آخر، لا يملك ما يشغله أو يملأ عليه حياته، ربما لا يشعر في البداية بخطورة الفراغ, بل أظنك تعرف كثيرًا من الشباب، الذين يظنون أنهم من المحظوظين لأنهم فارغين ولا يتحملون أية مسئوليات، إلا أنه مع مرور الزمان, وتوالي الشهور والأيام وهو يعيش هذا الروتين, فإن حياته اليومية تمر عليه دون أن يشعر بها, لأنه لم يتذوق حلاوة التعب والعمل.
عندها سوف تنقلب عليه الحياة جحيمًا, وتسمع وابلًا من التساؤلات، ومنها إلى متى سأبقى على هذه الحالة؟! وكيف أتخلص منها؟! لا أدري فتمر عليه الثواني وكأنها ساعات, وتمر عليه الليالي والأيام وكأنها سنوات مديدات, يشعر بثقلها ويتضجر منها، حينها يبدأ القلق والضجر يدبان في نفسه, فيصير إنسانًا لا يدري ماذا يفعل كالذي يعيش في ظلام دامس لا يعرف إلى أين يتجه، كالغريق وسط الأمواج يبحث عن وسيلة للنجاة.
إلى متى .. والأمر جد:
ولعل البعض يقول الآن نعم نعرف ذلك، وسنحاول أن نستغل أوقاتنا في المستقبل، فتمر الأيام والليالي، وتنقضي الأجازات كسابقتها، في غير فائدة، وهنا يجب أن نقول أن هناك أمر قد خفي عليك أيها الشباب، وهو أن التسويف لا يقف عند حد، بل هو بحر لا ساحل له، والأماني لا تنقطع بصاحبها، ولا يزال العبد يسوف حتى يصير مجندلًا في قبره.
ولهذا نرى الحسن رحمه الله، يحذر من التسويف كأشد ما يكون التحذير فيقول: (إن قومًا ألهتهم أماني المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وكذب.. لو أحسن الظن لأحسن العمل).
خذ من شبابك قبل الموت والهرم وبادر التوب قبل الفوت والندم
واعلم بأنك مجزئ ومرتهن وراقب الله واحـذر زلة القـدم
الفراغ يطرق أبواب المعاصي:
وتكون الكارثة الكبرى إذا قاد هذا الفراغ الكثير من الشباب ـ كما هو حادث ـ إلى معصية الله سبحانه وتعالى، وانتهاك حرماته، والكارثة الثانية أن يدمن الشاب هذه المعاصي، فلا تقتصر على أوقات الفراغ فحسب، بل يقطع أعماله ومسئولياته ودراسته ليزاول معاصيه، التي اجترها له الفراغ، وثالث الأسافي تكون بتسويف التوبة.
فيا أيها الشاب: إياك والتسويف بالتوبة، والاتكال على العفو والمغفرة، فالله تعالى كما أنه غفور رحيم، فإنه أيضًا شديد العقاب، ذو بطش شديد، وأخذ أليم. قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12]، وقال سبحانه: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].
ولذلك قيل:
قل للمفرط يستعـد ما من ورود الموت بد
قد أخلق الدهر الشباب وما مضى لا يسترد
أو ما يخاف أخو المعاصي من له البطش الأشد
يومًا يعاين موقفًا فيه خطوب لا تحد
فإلام يشتغل الفتى في لهوه والأمر جد
مظاهر قتل الوقت:
وأخيرًا يا شباب إليكم مظاهر هذا القتل للوقت الذي يقع فيه الشباب، لتكون منها على دراية:
- الغفلة: تلك التي وصفها العلماء بأنها مرض يصيب العقل والقلب، فيفقد الإنسان وعيه وحسه بالأحداث وما حوله، قال الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
- التسويف: وهو البضاعة المزجاه التي تهلك صاحبها، وقد قيل لعمر بن عبد العزيز وقد أرهقه العمل: أجل هذا للغد، فقال: (لقد أعياني عمل يوم واحد، فكيف إذا اجتمع علي عمل يومين).
- الإهدار: ولذا كان يقال: (أن من علامة مقت الله سبحانه وتعالى إضاعة الوقت)، وكذلك قيل: (الوقت كالسيف؛ إن لم تقطعه قطعك)، ويقول الحسن البصري عليه رحمة الله: (يا ابن آدم: إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم، ذهب بعضك) [مستفاد من: شباب بلا مشاكل، د.أكرم رضا، (272)].
وبعد الكلام...
إذا كنت قد أضعت وقتك، وصار الفراغ مسيطرًا عليك، وسمعت هذه الكلمات، فاعلم أن الغاية منها أن تقف على خطورة الموقف، وليس المراد أن تبخس نفسك قدرها وتظن أنك فاشل لا فائدة منك، بل أعلم أن لديك إمكانيات وقدرات ومهارات ربما تكون قد سوفت استغلالها، أو لم تعطها حقها فبعثرت في غياهب الفراغ، ولكن إن وقفت على خطورة الموقف، وقررت نفسك أن تستعيد مجدها، وتبدأ العمل فيما ينفعها ولا يضرها، فتوكل على الله ... ولا تبخس نفسك قدرها (فالكثير منا يرهق نفسه، دون قصد بوقوعه في خطأ التقليل من شأن نفسه، مما يدفعنا إلى الشعور بالفشل في الثقة بقدراتنا وحكمتنا) [لا تهتم بصغائر الأمور للمراهقين، د.ريتشارد كارلسون، (36)]، ومن ثم يكون الإحباط، ونبقى محلك سر.
وأخيرًا...
تذكروا يا شباب أن النجاح ليس مجرد كلمات على الألسن والشفاه، أو أمنيات في القلوب، إنما هو حياة كاملة شاملة، تبدأها أنت بقرار الآن، وتستمر وتمر الأيام، حتى تجد في النهاية ما تحمد عقباه، ربما تتعب في ترك شيء تعودت عليه كالفراغ، ولكن النجاح له مذاق حلو، وراحة بال، واستقرار نفس واستواء في الشخصية، أما المضيون لأوقاتهم، فواحسرتاه عليهم، أراداوا أن يقتلوا الوقت فاستل سكينه وذبح أعمارهم وقتل أوقاتهم وضيع ساعاتهم، فواأسفاه.
المصادر:
شباب بلا مشاكل د.أكرم رضا.
عذرًا... أنا مراهق رضا المصري.
دع الفراغ وابدء العمل القسم العلمي، دار الوطن.
لا تهتم بصغائر الأمور للمراهقين د.ريتشارد كارلسون